عن عبد اللَّه بن سلام أنه قال:
أتيت عثمان وهو محصور أسلم عليه فقال: مرحباً بأخي مرحباً بأخي. أفلا أحدثك ما رأيت الليلة في المنام؟ فقال: بلى. قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذه الخَوْخة وإذا خوخة في البيت. فقال: أحصروك؟ فقلت: نعم. فقال: عطشوك؟ فقلت: نعم. فأدلى لي دلواً من ماء فشربت حتى رويت فإني لأجد برداً بين كتفيَّ وبين بدني. إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا. قال: فاخترت أن أفطر عندهم. قال: فقتل عثمان في ذلك اليوم.
وعن مسلم عن أبي سعيد مولى عثمان، أن عثمان أعتق عشرين مملوكاً، ودعا بسراويل، فشدَّها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام. قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم البارحة وأبا بكر وعمر فقالوا لي: صبراً، فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه.
عن ابن عمر أن عثمان أصبح يحدث الناس. قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المنام. قال: يا عثمان أفطر عندنا غداً فأصبح صائماً وقتل من يومه. واختلاف الروايات محمول على تكرار الرؤيا فكانت مرة نهاراً ومرة ليلاً.
قتله:قتل عثمان يوم الجمعة 18 ذي الحجة سنة 35 من الهجرة (يونيه سنة 656 م) بعد العصر، وكان يومئذٍ صائماً. قال ابن إسحاق: قتل عثمان على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً، واثنين وعشرين يوماً من مقتل عمر بن الخطاب، وعلى رأس خمس وعشرين من متوفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
دفنه:دفن في حش كوكب وقد كان اشتراه ووسع به البقيع، ليلة السبت بين المغرب والعشاء فصلَّى عليه جبير بن مطعم وخلفه حكيم بن حِزام، وأبو جهم بن حذيفة، قيل: بقي عثمان ثلاثة أيام لم يدفن، ثم إن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم، كلَّما علياً في أن يأذن في دفنه، فقعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله وغيرهم، وفيهم الزبير والحسن وأبو جهم بن حذيفة ومروان بين المغرب والعشاء، فأتوا به حائطاً من حيطان المدينة يسمى حَش كوكب. وهو خارج البقيع فصلَّى عليه جبير بن مطعم، وخلفه حكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه، ثم تركوهم خوفاً من الفتنة.
وعن الربيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه قال: كنت أحد حملة عثمان بن عفان حين توفي حملناه على باب، وإن رأسه يقرع الباب لإسراعنا به، وإن بنا من الخوف لأمراً عظيماً، حتى واريناه في قبره في حش كوكب.
وأرسل عليّ إلى من أراد أن يرجم سريره ممن جلس على الطريق لما سمع بهم فمنعهم عنه.
ونزل في قبره، بيان وأبو جهم وحبيب، وقيل: شهد جنازته علي وطلحة وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك، وعامة من أصحابه.
وعن الحسن قال: شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه، وفي البخاري أنه لم يغسل.
آخر خطبة لعثمان رضي اللَّه عنه:ذكر الطبري آخر خطبة خطبها عثمان رضي اللَّه عنه في جماعة:
"إن اللَّه عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها. إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى. فلا تُبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى. فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى اللَّه. اتقوا اللَّه عز وجل فإن تقواه جُنة من بأسه ووسيلة عنده.
واحذروا من اللَّه الغِيرَ والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزاباً {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: 103].
ما خلف عثمان: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل 30.500.000 درهم ومن الدنانير 100.50 أي ما يزيد عن 800.000 جنيه فانتهبت وذهبت، وترك 1000 بعير بالرَّبذة. وترك صدقات بها براديس وخيبر ووادي القرى قيمة 10.000.000 دينار.
وصيته:عن العلاء بن الفضل عن أمه. قال: لما قُتل عثمان فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقاً مقفلاً ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوباً فيها:
"هذه وصية عثمان: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن اللَّه يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه. إن اللَّه لا يخلف الميعاد. عليها يُحيى وعليها يموت. وعليها يُبعث إن شاء اللَّه".
الأحاديث الواردة في فضله:قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
"اللَّهم إني رضيت عن عثمان فارض عنه".
"غفر اللَّه لك يا عثمان ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة".
"عثمان أحيا أمتي وأكرمها".
"عثمان في الجنة".
"عثمان حيي تستحي منه الملائكة".
"عثمان رفيقي معي في الجنة".
"عثمان وليي في الدنيا والآخرة".
"رحمك اللَّه يا عثمان ما أصبت من الدنيا، ولا أصابت منك".
"يا عثمان إنك ستبلى بعدي فلا تقاتلن".
ما رثي به عثمان من الأشعار:قال حسان بن ثابت شاعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم يمدح عثمان ويبكيه ويهجو قاتله:
أتـركتمُ غزوَ الدروبِ وراءَكُمْ
فـلبئسَ هَدْى المُسلمينَ هَديتُم
أَنْ تُقدِمُوا نَجعلْ قُرَى سِرَواتِكُم
أو تُـدبروا فلبئسَ ما iiسَافَرتُم
وكـأنَّ أَصـحابَ النَّبيِ عشيةً
أَبـكِي أَبَا عَمْروٍ لِحُسن iiبَلائِهِ
وغـزوتُـمُونَا عندَ قبرِ iiمحمدٍ
ولـبـئسَ أمرُ الفاجرِ iiالمُتعمِدِ
حَـولَ الـمدينةِ كُلَّ ليَّن iiمَذُود
ولـمـثلِ أَمرِ أَميرِكُمْ لَم يَرَشُد
بُـدُنٌ تـذبّح عندِ بابِ المَسْجدِ
أَمْـسَى مُقِيماً فِي بَقِيعِ iiالغَرْقَدِ
وقال:
إن تمس دار ابن أروَى منه iiخاويةٌ
قـد يـصادف باغي الخير iiحاجَتَه
يـا أيـها الناس أبدوا ذات أنفسكم
قـوموا بحق مليك الناس iiتعترفوا
فـيهم خبيث شهاب الموت iiيقدمهم
بـاب صريعٌ وباب محرقٌ iiخرب
فـيها ويهوى إليها الذكر iiوالحسب
لا يستوي الصدق عند اللَّه والكذب
بـغارة عُصُبٍ من خلفها iiعصبُ
مـستلئماً قد بدا في وجهه iiالغضب
وقال أيضاً:
من سرَّهُ الموتُ صَرْفاً لاَ مِزَاجَ iiلهُ
مُـسْتَشْعِرِي حلقٍ الماذيَّ قد iiشفعتْ
صـبـراً فِدىَّ لكم أمي وما iiولدت
فـقـد رضـينا بأهل الشأم iiنافرة
إنـي لمنهم وإن غابوا وإن iiشهدوا
لـتـسـمـعُن وشيكا في iiديارهم
يا ليت شعري وليت الطيرَ تخبرني
فـلـيـأتِ مَـأسَدَةً في دارِ iiعُثْمَانَا
قـبـلَ الـمَخَاطمِ بِيضٌ زَانَ iiأَبدانا
قـد ينفع الصبرُ في المكروهِ iiأحيانا
وبـالأمـيـر وبـالإخوان iiإخوانا
مـا دمـت حيَّاً وما سميت iiحسانا
الـلَّـه أكـبـر يـا ثارات iiعثمانا
مـا كـان شـأن عليٍ وابن iiعفانا
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
يـا لـلرجال لِلُبّك iiالمخطوف
ويـح لأمـر قـد أتاني رائع
قـتلُ الخليفة كان أمراً iiمفظعاً
قـتل الإمام له النجوم خواضع
يـا لهف نفسي إذ تولّوا غدوة
ولوا وأدلوا في الضريح iiأخاهم
مـن نـائل أو سؤدد iiوحمالة
كـم من يتيم كان يجبر iiعظمه
مـا زال يقبلهم ويرأب iiظلمهم
أمـسى مقيماً بالبقيع وأصبحوا
الـنـار موعدهم بقتل iiإمامهم
جـمع الحمالة بعد حلم iiراجح
يـا كـعب لا تنفك تبكي iiمالكاً
فأبكي أبا عمرو عتيقاً iiواصلاً
ولـيـبـكه عند الحفاظ iiمعظِّم
قـتلوك يا عثمان غير iiمدنس
ولـدمعك المترقرق iiالمنزوف
هـدَّ الجبال فانقضت iiبرجوف
قـامـت لـذاك بليّة iiالتخويف
والـشـمس بازغة له بكسوف
بـالنعش فوق عوائق وكتوف
مـاذا أجنّ ضريحه iiالمسقوف
سبقت له في الناس أو معروف
أمـسى بمنزله الضياعُ iiيطوف
حـتـى سمعت برنة التلهيف
مـتـفرقين قد أجمعوا بخفوف
عثمان ظهراً في التلاد iiعفيف
والـخـير فيه مبيّن iiمعروف
ما دمت حيّاً في البلاد iiتطوف
ولـواءهم إذ كان غيرَ iiسخيف
والـخيل بين مقانبٍ iiوصفوف
قـتـلا لـعمرك واقفاً iiبسقيف
وقال أيضاً:
فـكـفَّ يـديـه ثـم أغلق بابه
وقـال لأهـل الـدار لا تقتلوهم
فكيف رأيت اللَّه صب عليهم الـ
وكـيـف رأيت الخير أدبر iiبعده
وأيـقـن أن الـلَّـه ليس iiبغافل
عـفا اللَّه عن كل امرئ لم iiيقتل
ـعداوة والبغضاء بعد iiالتواصل
عن الناس إدبار الرياح iiالحوافل
وقال الحباب بن يزيد المجاشعيّ عم الفرزدق:
لـعـمرُ أبيك فلا iiتجزعن
لـقـد سفه الناس في iiدينهم
أعـاذلَ كـلُّ امرئ iiهالكٌ
لـقـد ذهب الخير إلا iiقليلا
وخلّى ابن عفان شرّاً iiطويلا
فسيروا إلى اللَّه سيراً جميلا
وقال القاسم بن أمية بن أبي الصلت:
لـعمري لبئس الذِّبح ضحيتم iiبه
وخنتم رسول اللَّه في قتل صاحبه
وقالت زينب بنت العوام:
وعطشتم عثمان في جوف iiداره
فكيف بنا أم كيف بالنوم بعد ما
شربتم كشرب الهيم شرب حميم
أصيب ابن أروى وابن أم حكيم
وقالت ليلى الأخيلية:
قتل ابن عفان iiالإمام
وتـشتتت سبل الرشا
فانهض معاوي نهضة
وضاع أمر iiالمسلمينا
د لصادرين وواردينا
تشفي بها الداء iiالدفينا
وقال أيمن بن خزيمة:
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحى
وأي سـنـة كـفـر سـن أولـهـم
مـاذا أرادوا أضـل الـلَّـه سـعيهم
وأي ذِبـح حـرام وَيـحْـهـم iiذبحوا
وبـاب شـر عـلـى سلطانهم iiفتحوا
بـسـفك ذاك الدم الزاكي الذي iiسفحوا
وقال الوليد بن عقبة:
ألا مَـن لـلـيـل لا تغور iiكواكبُهْ
بـنـي هاشم ردوا سلاح ابن أختكم
بـنـي هـاشـم لا تـعجلوا iiبإقادة
فـقـد يـجبر العظم الكسير وينبري
وإنـا وإيـاكـم ومـا كـان iiمـنكم
بـنـي هـاشـم كـيف التعاقد بيننا
لـعـمرك ما أنسى ابن أروى وقتله
هـمـو قـتـلـوه كي يكونوا مكانه
وإنـي لـمـجـتـاب إليكم iiبجحفلٍ
إذا لاح نـجـم لاح نـجـم iiيراقبَه
ولا تـهـبـوه لا تـحـل iiمـناهبه
سـواء عـلـيـنـا قـاتلوه iiوسالبه
لـذي الـحـق يـوماً حقه iiفيطالبه
كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه
وعـنـد عـلـيٍ سـيـفه iiوجرائبه
وهـل يَـنسَيَن الماء ما عاش iiشاربه
كـمـا غدرت يوماً بكسرى iiمرازبه
يـصـم الـسـميعَ جرسُه وجلائبه
وقال الوليد يرثي عثمان ويحرض معاوية على الأخذ بثأره:
واللَّه ما هند بأمك إن مضى iiالنهـ
أيـقـتـلُ عـبدُ القوم سيدَ iiأهله
وإنـا مـتـى نـقتلهم لا يقد iiبهم
ـار (النهار) ولم يثأر بعثمان ثائر
ولـم يـقـتـلوه ليت أمك iiعاقر
مـقـيـد فقد دارت عليك الدوائر
وقال أيمن بن خُريم بن فاتك الأسدي وكان عثمانيّا
تـعـاقـد الـذابحو عثمان iiضاحية
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام iiولم
فـأيّ ذبـح حـرام ويـحهم iiذبحوا
يخشوا على مطمح الكفر الذي طمحوا
__________________